بلاد فارس والخيول تخاف منا خندقنا فوقنا فهل تقطع يا رسول الله؟ رأي سلمان أعجب بالمسلمين.
وحملوا أمتعتهم على ستمئة بعير، وخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن من خلفهم، حتى لا يشمت بهم المسلمون، فقصد بعضهم وسار آخرون إلى أذرعات.
وقد دامت محاولةُ العبور من المشركين، والمكافحةُ المتواصلة من المسلمين أياماً، إلا أن الخندق لمّا كان حائلا بين الجيشين لم يجر بينهما قتالٌ مباشرٌ وحربٌ داميةٌ، بل اقتصروا على المراماة والمناضلة.
وقد قال وفد اليهود لمشركي مكة: «إن دينكم خيرٌ من دين محمد، وأنتم أولى بالحق منه»، وفي ذلك نزلت الآيات: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا.
وقال يوم الخندق: «سلمان منا»، وقالت : «سلمان منا»، فقال الرسولُ محمدٌ: « سلمان منا أهل البيت».
ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فاتت بعض الصلوات عن الرسولِ محمدٍ والمسلمين، فقد وَجَّهَ المشركون كتيبةً غليظةً نحو مقر الرسول، فقاتلهم المسلمون يومًا إلى الليل، فلما حانت دنت كتيبةٌ، فلم يقدر الرسولُ ولا أحدٌ من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا، وشغل بهم الرسول فلم يصل ، ولم تنصرف الكتيبة إلا مع الليل، فقال الرسولُ محمدٌ: « ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارًا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس».