يخرجون اسوأ مافيك - أبيات شعر نزار قباني عن الحب

.

.

وفي أحد الأيام وبعد العاشرة والنصف صباحاً، سمعت صياح طفل، شككت بالأمر، أطللت من النافذة فإذا بجارتي تعاقب ابنها بالضرب، خرجت اعرف سبب ضربها له، فقالت إنه يصيح ويرفض أن يذهب للعب مع الأطفال، وحين اقتربت تجرأت بدخول بيتها دون استئذان، فشاهدت رجلا يجلس في غرفة الضيوف، فرجعت، والغيت دخولي عندها، لكنني سألتها لمرة واحدة عن الرجل الغريب في بيتها، فابتسمت في البداية، وحين الححت عليها، ضحكت وقالت لي، يعني لازم تعرفي، ألا يكفي انك شاهدت الرجل، عرفت انه صديقها يعرف انها تحب المكسرات وأشكال الكعك المختلفة، يحضر لها في كل زيارة بنوع من تلك الأشكال والحلويات، ولسوء حظها أن زوجها بدخله المتواضع، لا يمكنه شراء مثل تلك السلع التي تكاد تكون مقصورة على الأغنياء في عمان، أنعم انا وابني من هذه الحلوى، إذ لم تكن تجرؤ على إبقاء شيء مما يأتي به صديقها، حتى لا يسألها زوجها كيف حصلت على ذلك، إلا ماكان مالحا، فتقول له أنها أخذتها مني، ربما تبقي جزءا بسيطا من الهدية مرة في الشهر، بحجة أن الجارة أرسلت لها ذلك، دعتني مرة لزيارتها بعد الواحدة ظهرا، تحدثنا وشربنا القهوة ثم استأذنتها للعودة لبيتي لمساعدة أطفال زوجي الثلاثة الذين ما زالوا دون الخامسة عشرة، وقبل مغادرتي طلبت مني الانتظار لدقيقة، فإذا بها تقدم لي علبة كاملة فيها معمول وغريبة هدية لأسرتي الكبيرة، حاولت ان لا آخذها، لكنها اصرت فقبلتها بعد أن غمزتني دون كلام.

وبينما انا في هذه التذكارات، أنظر حولي وأخفف من همسي، حتى أتأكد ان لا أحد يسمعني، فقطع عليّ حبل أفكاريصوت مزعج، تمر سيارة بيع أسطوانات الغاز، أزعجتني بأصواتها التي تصدر من مسجل فيها، تعلن لربات البيوت عن تواجد السيارة قربهم، زاد ضيقي من صوته المتكرر والعالي، ونسيت الشيخ وما أحسسته، ومع أنني بدأت افكر بفعل شيئ أغيظ به كنتي ميرا، تذكرت ان اسطوانة الغاز عندنا قد فرغت، ضحى ذلك اليوم، فوقفت بباب الشقة وناديت على بائع الغاز كي يحضر لنا أسطوانة جديدة، دفعت باب الشقة بقوة فأصدر صوتا مزعجا، ثم بدأت بفصل اسطوانة الغاز الفارغة عن خرطومها، ثم وبقصد طرقت باب الشقة ثانية بقوة، فهاجت كنتي ميرا تصرخ شاكية من الإزعاج والضجة التي اثرتها، فقلت للشاب، أطلب ثمن اسطوانة الغاز من السيدة المحترمة، فصاحت به قائلة، لم أطلب منك أن تحضر لنا اسطوانة غاز، انا لا أحمل نقودا معي، إما أن تأخذ أسطوانتك او ترجع مساء حين يعود زوجي من عمله، فقلت لها بصوت واضج، ما دام ما بتموني على خمسة دنانير، ولماذا تنتفخين وتفحّين، تتمادين في غيك وعنجهيتك وقلة أصلك، انسحبت مولولة وهي تثرثر وتسبّ وتلعن في طيش، ثم اندست في غرفة نومها، خبطت بابها بقوة، ثم أقفلته بالمفتاح على نفسها، اضطررت لدفع قيمة استبدال أسطوانة الغاز للرجل، وطلبت من البائع إعادة توصيلها مع خرطوم مشعل الغاز.