وهكذا تزايدت الضغوط على الملك عبدالعزيز من كل جانب، فابن رشيد يسعى للحدّ من تحركاته، والحكومة العثمانية منعت وسائل التموين عنه، وأرهبت أتباعه ومؤيديه فانفضوا من حوله، وأجبروه على الخروج من المنطقة التي تمركز فيها طوال أربعة أشهر خلت؛ حتى والده ينصحه بالعودة إلى الكويت والتخلي عن تحقيق هدفه، ويبدو أن رسالة الإمام عبدالرحمن جاءت نتيجة لتخوفه على ابنه في ظل التطورات الجديدة، وربما كان ذلك أيضًا بتأثير من الدولة العثمانية للضغط على معنويات الملك عبدالعزيز.
لقد قال الملك عبد العزيز فيما ذكره عنه فؤاد حمزة عن ليلة السيطرة إِن الحراس لم يكونوا يحرسون المدينة، بل مقر حاكمها فقط، فيقومون في البقاء ليلاً في القلعة، مما يشير إلى إنهم كانوا غير محبوبين من أهل البلد، بل كان أهل الرياض يتمنون عودة حكم آل سعود.
لذلك رأى الشيخ مبارك في طلب الإمام عبدالرحمن تسهيلَ مهمة عبدالعزيز فرصةً مناسبةً لإشغال ابن رشيد، وذلك بالغارة على القبائل الموالية له، إضافةً إلى جعل مناطق نفوذ الدولة العثمانية - حليف ابن رشيد - مسرحًا لهذه الغارات، وعدّ عبدالعزيز مسؤولاً عن تصرفه، وعليه أن يتحمل تبعاته لوحده، وأنه لا يستطيع منعه من الخروج من الكويت ، ولهذا أمد الشيخ مبارك عبدالعزيز بعتاد متواضع تمثل في أربعين ذلولاً، وثلاثين بندقية ومئتيْ ريال، وبعض الزاد ٦١ ، ويلحظ أن مباركاً لم يمد عبدالعزيز بالرجال، لذلك خرج عبدالعزيز برجال من أسرته ورجال من الحاضرة والبادية.
وما تؤيده المصادر التاريخية والروايات الشفوية وسياق الأحداث أن خروج الملك عبدالعزيز برجاله من الكويت كان في ربيع الآخر من عام ١٣١٩هـ يوليو ١٩٠١م ، أي بعد خمسة أشهر من وقعة الصريف في ذي القعدة عام ١٣١٨هـ مارس ١٩٠١م المتمثلة في خروجه الأول من الكويت.
و الجافورة ١٧١ صحراء واسعة تمتد من العقير وأطراف الأحساء الجنوبية شمالاً حتى تتصل بـ الربع الخالي جنوبًا، واسمها مستحدث مشتق من طبيعة تكوين رملها، فهي عبارة عن جُفر متتابعة - جمع جفرة، والجفرة في اللغة: سعة في الأرض مستديرة ١٧٢.
نهاية تسلسل أحداث استرداد الرياض: في الموافق من عام 1319 هجري كان ذلك اليوم من الأيام المهمة في حياة الملك عبد العزيز وفي تاريخ المملكة التي أسسها، وقد كان ذلك اليوم نهاية لمرحلة من مراحل حياة الملك عبد العزيز آل سعود، أن ندرك في الوقت نفسه أنّه كان بداية لعمل آخر أعظم على مر العصور، ولقد انتصر في ذلك اليوم على ابن رشيد، وقام في استرد الرياض التي خرج منها وهو صغيراً مع والده الإِمام عبد الرحمن، لكن شجاعته العالية، وعزيمته لم يكن هدفها الرياض وحدها، وإِنما كانت غايتها أعظم.