فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُحَاكِيَ الْمُؤَذِّنِ يُتَابِعُهُ جُمْلَةً جُمْلَةً إِلَى آخِرِهِ مَا عَدَا الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بَدَلًا مِنْهُمَا بِالْحَوْقَلَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْحَيْعَلَتَيْنِ نِدَاءٌ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الْمُنَادِي، وَهَذَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ، أَمَّا الَّذِي يَحْكِي الْأَذَانَ فَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنْ يُنَادِيَ غَيْرَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي نُطْقِهِ بِهِمَا، فَيَأْتِي بِلَا حَوْلٍ وَلَا قُوَّةٍ إِلَّا بِاللَّهِ لِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ ذِكْرٌ يُثَابُ عَلَيْهِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَالثَّانِي: اسْتِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا حَوْلَ لَهُ عَنْ مَعْصِيَةٍ وَلَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى طَاعَةٍ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَفِيهِ اسْتِعَانَةٌ بِاللَّهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى إِجَابَةِ هَذَا النِّدَاءِ، وَأَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ.
أَمَّا تَعَدُّدُ الْمُؤَذِّنِينَ لِبَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ فَكَالْآتِي:أَوَّلًا: فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَدِيثُ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ فِي صَلَاحِ الْفَجْرِ، ثُمَّ قَاسُوا عَلَيْهِ لِلْحَاجَةِ بَقِيَّةَ الصَّلَوَاتِ، كَمَا اسْتَأْنَسُوا لِزِيَادَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي الْجُمُعَةِ لِلْجَمَاعَةِ لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَإِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكِيهِ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا، وَإِذَا سَمِعَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسٌ نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ حَالًا لِلصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ يَقْرُبَ.