أما النحلة فلا شغل لها بكل الوردة، لا بالساق، ولا بالأوراق…؛ وإنما بالرحيق.
وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَدْ يَكُونُونَ هُمُ الْأَصْنَامُ، وَقَدْ يَكُونُونَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ لِيَعْلَمُ؛ وَلَكِنَّ الِاسْتِجْوَابَ هَكَذَا فِي السَّاحَةِ الْكُبْرَى، وَهُمْ مَحْشُورُونَ أَجْمَعِينَ، فِيهِ تَشْهِيرٌ وَتَأْنِيبٌ، وَهُوَ ذَاتُهُ عَذَابٌ مَرْهُوبٌ! يحدث ذلك عندما يكون لديه للمدير رصيد كاف من الصدق والاحتواء والاحترام والتفكير المنطقي، فتتغلب كفة الثقة على كفة الخجل والخوف من الإهانة.
فإذا حرم فما ذاك إلا لأنه محروم مستحق للحرمان بما جناه على نفسه، أو بما جناه عليه القضاء، وإذا كان كذلك فهم أولى بالإجفال منه والهرب من عدوى شقائه! وهي — ولا مراء — أسباب طبيعية للحرمان في الحياة نفهمها حين نبحث عن سر حرمانه، ولكنها لا تصلح عذرًا للمتفضل الذي يريد الإفضال، ولا تعد ميزانًا رفيعًا للمروءة ومكارم الأخلاق؛ فمن الطبيعي أن يأكل الذئب الحمل، وأن يعبث اللئيم بالغرير، وأن ينهب المحتال مال الطفل اليتيم، والمغتال مال الأعزل الضعيف، إلا أن البون بعيد جدًّا بين هذه الأسباب الطبيعية في الدنيا وبين معالي الهمم ومكارم الأخلاق، وأن هذا البون البعيد جدًّا لهو مناط الحمد واللوم والشرف والضعة والفضل والقصور.
فكيف نبني هذا الباطن؟.
بالإمكان لثواني أن يعيش حالة اللافكر، اللاخيال، ولكن سرعان ما ينفرط الحبل، وإذا به يذهب يميناً وشمالاً.
وَالْآنَ وَقَدْ شَهِدُوا وَشَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِهَايَةَ الِافْتِرَاءِ وَالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَنِهَايَةَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى بَشَرِيَّةِ الرَّسُولِ وَأَكْلِهِ الطَّعَامَ وَمَشْيِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، الْآنَ يَعُودُ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّيهِ وَيُؤْسِيهِ، بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، فَكُلُّهُمْ يَمْشُونَ عَلَى سَوَاءٍ:.