المرتبة الثانية: المستحبة، وهو أنه إذا أمكنه أن يقوم بالعمل، فإنه لا يسأل أحدا من الناس شيئا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخذ العهد على عدد من الصحابة ألا يسألوا الناس شيئا، قال الراوي: فكان أحدهم يسقط سوطه فلا يسأل أحدا أن يناوله إياه وهذا من المراتب التي يتفاوت فيها الناس.
يا عباد الله، الناس كلهم يعلمون، يعلمون جيدًّا أن الأمة لا تفسد ولا تهلك إلا حين تفسد أجيالها، ولا ينال الأعداء من أمة إلا إذا نالوا من شبابها وفتياتها، وتحكموا في توجهاتهم واهتماماتهم.
في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله عزّ وجل بطاعته في الصحة والرخاء عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته.
وَكَمْ قَصَّ سُبْحَانَهُ مِنْ قَصَصِ تَفْرِيجِ كُرُبَاتِ أَنْبِيَائِهِ عِندَ تَنَاهِي الكَرْبِ؛ كَإِنْجَاءِ نُوحٍ ومَنْ مَعَهُ فِي الفُلْكِ، وإِنْجَاءِ إِبْرَاهِيمَ مِن النَّارِ، وفِدَائِهِ لوَلَدِهِ الَّذِي أُمِرَ بذَبْحِهِ، وإِنْجَاءِ مُوسَى وَقَوْمِهِ مِن اليَمِّ، وإِغْرَاقِ عَدُوِّهِم، وقِصَّةِ أَيُّوبَ ويُونُسَ، وقَصَصِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَعْدَائِهِ، وإِنْجَائِهِ مِنْهُم؛ كقِصَّتِهِ فِي الغَارِ، ويَوْمِ بَدْرٍ، ويَوْمِ أُحُدٍ، ويَوْمِ الأَحْزَابِ، ويَوْمِ حُنَيْنٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ.
قال: نعم، قال: ما رأيته! الثَّانِي: مَعْرِفَةٌ خَاصَّةٌ: وهيَ تَقْتَضِي مَحَبَّتَهُ لعَبْدِهِ، وتَقْرِيبَهُ إِلَيْهِ، وإِجَابَةَ دُعَائِهِ، وإِنْجَاءَهُ مِن الشَّدَائِدِ، وهيَ المُشَارُ إليها بقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يَحْكِي عنْ رَبِّهِ: وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، فَلَئِنْ سَأَلَنِي لأَُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأَُعِيذَنَّهُ وفي رِوَايَةٍ: وَلَئِنْ دَعَانِي لأَُجِيبَنَّهُ.
.