ثم إن اعتراف الخلققِ بوحدانية الله يَقْشَع تكذيبهم بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم ما كذَّبوه إلا لأنه دعاهم إلى نبذ الشرك الذي يزعمون أنه لا يسع أحداً نبذُه ، فإذا انقشع تكذيبهم استتبع انقشاعُه امتثالَ الشرائع التي يأتي بها الرسول صلى الله عليه وسلم إذا آمنوا بالله وحده أطاعوا ما بلَّغهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه ، فهذا معنى تقتضيه عبادةُ الله بدلالة الالتزام ، وذلك هو ما سُمي بالعبادة بالإطلاق المصطلح عليه في السُنَّة في نحو قوله : « أن تعبد اللَّه كأنك تراه » وليس يليق أن يكون مراداً في هذه الآية لأنه لا يطرد أن يكون علةً لخلق الإنسان فإن التكاليف الشرعية تظهر في بعض الأمم وفي بعض العصور وتتخلف في عصور الفترات بين الرسل إلى أن جاء الإِسلام ، وأحسب أن إطلاق العبادة على هذا المعنى اصطلاح شرعي وإنْ لم يرد به القرآن لكنه ورد في السنة كثيراً وأصبح متعارفاً بين الأمة من عهد ظهور الإِسلام.
وفي الحديث القدسي: قال الله- عز وجل- «يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك.
فهذا باعتبار انقسامه إلى ثلاثة أقسام.
ولكنّ لنا عزاء في حبّنا للنبيّ وأهل بيته الأطهار مع شيء من العمل اليسير، فنرجو الله تعالى بذلك وتفرح لحبّنا لهم عليهم السلامفنكون كما قال هذا الرجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، ليس لي عمل صالح إلاّ الشهادتين وحبّك، فقال له الرسول: «أبشر بالجنّة، فإنّ المرء مع من أحبّ».
فإن قيل: كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلل لأمره ومشيئته؟ قيل: قد تذللوا لقضائه عليهم؛ لأن قضاءه جارٍ عليهم لا يقدرون على الامتناع منه، وإنما خالفهم من كفر في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه.
واللام في { ليعبدون } لام العلة ، أي ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي.