وهذا التصور كان يستثني تلك الأعمال الخلاقة، التي حاولت من داخل الشكل العمودي أن تعيد ترتيب أوضاعها بإعادة وضع اللغة، أو بوضعها، بالأحرى، على محك شعرية تتيح للمعنى أو الدالة أن تتخذ أوضاعا مغايرة، ناقلة النص من أفق المعنى إلى أفق الدلالة أو انفتاحها بالأحرى.
ولا شك في أن شعر البردوني شبيه بحياته، أو أن حياته تشبه شعره، في أكثر من زاوية، فكلاهما مكمل للآخر، حتى في المستوى الأخير من دواوينه التي يصفها بعضهم بالتعقيد وفقدان المعنى، فهي مرتبطة بحياته وحياة الناس من حوله، بعد أن زادت تعقيداً في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وزاد ارتباطها بمقتضيات تطور القصيدة، وما يقتضيه هذا التطور من ملابسات يجد فيها هذا البعض قدراً من التعتيم والغموض، وهي حجة قديمة يهرب إليها كل من لا يستطيع الإبحار إلى أعماق النص الشعري، والاكتفاء بالطواف حول فضاءاته الخارجية المترامية الأطراف.
نال البردوني العديد من الجوائز: جائزة أبي تمام في الموصل، 1971، جائزة أحمد شوقي 1981، جائزة اليونيسكو من الأمم المتحدة 1982، جائزة مهرجان جرش 1984، جائزة العويس 1993، كما كُتبت حول شعره العديد من الدراسات.
وموضوع تحديد زمن ثابت لميلاد شاعر لم يعد من المشكلات إلاّ في بلادنا، حيث كان الناس إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م، يولدون ويموتون دون قيد ميلاد أو وفاة، وكانت القلة القليلة المحظوظة من أبناء الأسر الكبيرة، هم الذين يمكن لهم التأكد من معرفة تاريخ ميلادهم، بفضل ظهورهم إلى الحياة في منازل عامرة بالحد الأدنى من التعليم والحد الأدنى من الكتب المخطوطة، أما بقية أبناء الشعب، فقد كان تحديد سنوات ميلادهم لا يتم إلاَّ عن طريق الظن والتخمين، وكثيراً ما كان يرتبط هذا التحديد بأهم أحداث القرية أو المدينة من حروب ومجاعات وأمراض، وغيرها من الكوارث التي كانت دائمة الإقامة في اليمن، فلا تكاد تبرح عنها كارثة إلاّ لكي تسلمها إلى أخرى.
.
الفارق واسع وشاسع بين سوربون باريس، والمدرسة العلمية بصنعاء؛ لكن الانتقالات في حكم الزمن الذي لا يتساوى مع ثبات المكان قد تتقارب نتائجه ولو في إطار محدود.