رابعًا: النشأة على القوّة والصلابة والتحمُّل مُنذ الصّغر؛ ليكون مؤهّلًا لتحمّل مسؤولية الدعوة لجميع البشر فيما بعد، فقد عاش النبي -صلى الله عليه وسلم- حياة الفقر، وكان يتيمًا، ورعى الغنم، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ»، وذلك جعله يكتسب عدّة صفاتٍ لا يتحصّل عليها لو لم يعشْ يتيمًا؛ كسعة الصدر، واهتمامه وعنايته برعيّته، وحمايتهم.
متى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وكم كان عمره أصاب النبي صلى الله عليه وسلم الصداع الشديد، والألم في الرأس، وارتفاع في درجات الحرارة، فاشتد مرضه، وأقعده المرض الفراش، لم يترك بيته بعد مرضه، وقد أصيب بالصداع عندما كان عائدا من تشييع جنازة، وقبل وفاته، جمع الناس وخطب بهم خطبة الوداع؛ لأنه شعر بقرب أجله صلى الله عليه وسلم، وصلّى بالناس جميع الصوات قبل وفاته بأربعة أيام، كما ذكرت السيرة، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وقد بلغ من العمر 63 عاما.
ثم لما اشتد به الوجع استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة، فأذنّ له، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين علي بن أبي طالب، ولما دخل بيتها واشتد به وجعه قال: هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس ، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي ـ إناء يغسل فيه ـ ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن، قالت: ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم.