كما قال: فهل تَرَوْنَكم — وأنتم المكابِدون المعانون لهذه الآلام — تنزلون على ذلك وتلتزمونه؟! بمثل هذه الخطة نستطيع أن نمنع الكثيرَ من اضطراب القواعد واختلافها المُتْعِب، وبذلك نمكِّن للفُصْحى من ألْسِنة الناس وقلوبِهم.
وهذا يشعرنا بالاهتمام بالهداية أكثر من اهتمامنا بطعامنا ولباسنا، وأن نردك خطر الضلال أكثر من إدراكنا خطر الجوع والعري.
الفائدة الثانية والأربعون: قُدم الطعام على الكساء في الحديث من باب تقديم الأهم بالنسبة للخلق، فالإنسان يصبر على العري إلا أنه يشق عليه الصبر على الجوع، فتناسق الحديث حسب اهتماماتنا.
و ـ ختم الجملة الأولى من الحديث بقوله: " فلا تظالموا " مع أن المعنى المراد فُهم مما سبقها في قوله " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ".
١٤ هو الاعتدال الجامد ثمَّ أعود فأكرِّر هنا ما أشرتُ إليه من قبلُ؛ إذْ بيَّنتُ أنَّنا لم نأخذ بالخطة الحرَّة للجيل قبلنا، ولا أخذنا بالدستور الشرعي الذي تقدَّم إليه الفقهاء حولنا، بل رجعنا إلى ما وراء ذلك، فلزِمْنا أصول النُّحاة، ولم نعتمد على شيءٍ أبعدَ ممَّا أباحوه في غير تَعَيٍّ ولا لوم.
نص الحديث: عن أبي ذَرٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قال: يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا من هَدَيْتُهُ فاستهدوني أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا من أَطْعَمْتُهُ فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا من كَسَوْتُهُ فاستكسوني أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعا فاستغفروني أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ما زَادَ ذلك في مُلْكِي شيئا، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ما نَقَصَ ذلك من مُلْكِي شيئا، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يا عِبَادِي إنما هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ".